مرت النظام الحكومي في ليبيا بعدة مراحل رئيسية، كل منها كان محددًا بتغييرات سياسية واجتماعية كبيرة. تشمل هذه التغييرات الانتقال من الملكية إلى النظام الجمهوري، ثم إنشاء شكل فريد من الحكم تحت قيادة معمر القذافي، ولاحقًا، بعد الإطاحة به، الانتقال إلى حالة من عدم الاستقرار ومحاولات إقامة شكل جديد من الحكم. تتناول هذه المقالة تطور النظام الحكومي في ليبيا، بدءًا من تأسيسه وحتى المحاولات الحديثة لبناء دولة ديمقراطية.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت ليبيا تحت إدارة بريطانيا وفرنسا، ومع ذلك، أصبحت دولة مستقلة في عام 1951. كانت ليبيا مملكة، وتولى العرش الملك إدريس الأول. تم اختياره كزعيم للمملكة الجديدة بعد مفاوضات معقدة مع بريطانيا، التي كانت تتحكم في العديد من المناطق الاستراتيجية في ليبيا، بما في ذلك مصادر النفط.
كانت مملكة ليبيا في شكلها الأول اتحادية من ثلاثة مناطق: طرابلس، وبرقة، وفزان. بقيت ليبيا تعتمد على القوى الخارجية، وكانت حياتها الاقتصادية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشركات النفط الدولية العاملة في البلاد. لعب الملك إدريس الأول دورًا رئيسيًا في تحديد السياسة الخارجية، بما في ذلك الحفاظ على العلاقات مع القوى الغربية.
ومع ذلك، ظلت السياسة الداخلية غير مستقرة: كانت البلاد تواجه الفقر، والفساد، ونقص التنمية. كانت الرغبة في الإصلاحات السياسية والاجتماعية تتزايد، وفي أواخر الستينيات، نشأت حركة في ليبيا أدت في النهاية إلى الإطاحة بالملكية.
في 1 سبتمبر 1969، حدث انقلاب عسكري في ليبيا بقيادة معمر القذافي، الذي كان ضابطًا في الجيش. مع مجموعة من الضباط الصغار، المعروفين بـ"القط الأسود"، أطاح القذافي بالملك إدريس الأول، الذي كان في ذلك الحين خارج البلاد، واستولى على السلطة. بعد الانقلاب، تم إعلان ليبيا جمهورية عربية، وأصبح القذافي الزعيم الفعلي للبلاد.
منذ بداية حكمه، بدأ القذافي في إجراء إصلاحات جذرية. في عام 1970، بادر بتأميم صناعة النفط، مما أتاح للبلاد تحقيق دخل كبير. كما تم الإعلان عن التوجه نحو الاشتراكية العربية، التي تضمنت إنشاء اللجان الشعبية وإلغاء الملكية الخاصة في القطاعات الأساسية للاقتصاد.
انتقد القذافي الرأسمالية الغربية وسعى لإنشاء نظام سياسي بديل يعتمد على أفكار "الكون الثالث" — نموذج إدارة مميز لا يعود لا للرأسمالية ولا للاشتراكية. في عام 1977، أعلن القذافي رسميًا تحويل ليبيا إلى جماهيرية — "دولة الجماهير"، حيث كان من المقرر أن تكون السلطة في يد "اللجان الشعبية". وفقًا لعقيدته، تم تمثيل الحكومة من خلال هيئات شعبية مختلفة، وكان دور الدولة مقتصرًا على تنسيق أنشطتها.
كان النظام الحكومي في ليبيا خلال الفترة من 1977 إلى 2011 قائمًا على المبادئ الواردة في "الكتاب الأخضر" للقذافي، الذي أكد أن الأشكال التقليدية للحكم، مثل الديمقراطية، غير مقبولة، وأن السلطة الحقيقية يجب أن تأتي من الشعب. كانت الجماهيرية شكلًا خاصًا من الدولة الاشتراكية، قائمًا على فكرة حكم الشعب المباشر من خلال اللجان الشعبية.
كانت جماهيرية تعني في الأساس إدارة قائمة على الإيديولوجية التي كانت القذافي يبشر بها كمثال لليبيا والعالم العربي. دعا إلى التخلي عن الأحزاب السياسية، والبرلمانات، وغيرها من المؤسسات التقليدية للسلطة. بدلاً من ذلك، كان على المواطنين، وفقًا لـ"الكتاب الأخضر"، المشاركة في اتخاذ القرارات من خلال المجامع الشعبية.
لكن على أرض الواقع، أدى هذا النظام إلى تعزيز السلطة الشخصية للقذافي، وظلت السلطة الحقيقية في يد مقربيه وأفراد عائلته. كانت اقتصاد ليبيا يعتمد بشدة على النفط، وكان النظام السياسي يدعم نظامًا استبداديًا، على الرغم من التصريحات الخارجية حول الديمقراطية. كانت ليبيا معزولة عن الدول الغربية، وكان القذافي معروفًا بصداماته مع المنظمات الدولية وجماعات حقوق الإنسان.
بدأت الوضعية في ليبيا بالتغير في عام 2011، عندما اندلعت الاحتجاجات في الدول العربية، المعروفة بـ"الربيع العربي". بدأت الاحتجاجات ضد حكم معمر القذافي في فبراير 2011 وسرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح. طالب المتظاهرون بالإصلاحات الديمقراطية واستقالة القذافي.
بعد عدة أشهر من القتال وتدخل القوات الدولية، بقيادة الناتو، تم الإطاحة بالقذافي. وجدت ليبيا نفسها في حالة من الحرب الأهلية، وتنقسم البلاد إلى عدة فصائل إقليمية، كل منها يسيطر على أجزاء مختلفة من البلاد. على الرغم من سقوط القذافي، لم تتمكن ليبيا من إقامة حكومة مستقرة على الفور، وظلت الوضعية السياسية غير مستقرة في السنوات اللاحقة.
بعد الإطاحة بالقذافي، كانت ليبيا في مرحلة إنشاء نظام حكومي جديد. تم تشكيل حكومة مؤقتة، وفي عام 2012، جرت أول انتخابات ديمقراطية، لكن لم تؤدّ إلى استقرار سياسي مستدام. استمرت ليبيا في الانقسام، وأدت صراعات السلطة بين الفصائل المختلفة إلى نزاع طويل الأمد.
على الرغم من جهود المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، الرامية لإحلال السلام، تواصل ليبيا العيش في فترة من عدم الاستقرار والنزاع. تبقى مشاكل الأمن، وتفكك السلطة، والأزمة الاقتصادية تحديات رئيسية للبلاد.
تطوّر النظام الحكومي في ليبيا هو عملية معقدة تشمل الانتقال من الملكية إلى النظام الجمهوري، ثم إنشاء شكل فريد من الحكم تحت قيادة القذافي، وأخيراً، الانتقال إلى عدم الاستقرار والصراع من أجل التغييرات الديمقراطية بعد الإطاحة به. على الرغم من المحاولات الأولية لإنشاء ديمقراطية، لا تزال ليبيا تواجه العديد من الصعوبات السياسية والاجتماعية. تبقى الأسئلة حول مستقبل النظام الحكومي في البلاد مفتوحة، ويواصل المجتمع الدولي مراقبة تطورات الأوضاع في ليبيا.